بنيان هش
بقلم :ماهر اللطيف
أتذكر منذ أكثر من عقدين أنه كان من المفترض أن نلتقي منذ الصباح ونقضي يوم عيد الحب سويا في المدينة، نتبادل الهدايا ومشاعر الحب والشوق وحتى الهيام، نتناول ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات أين يحلو لها ذلك بما أنها في هذا الموقف "وجودي وكياني وحياتي"، نتجول، نمرح ونلعب، ونأتي بكل شيء قد يقربنا من بعضنا البعض - دون تجاوز الأخلاق والأدب والقيم الإسلامية والإنسانية المتعارف عليها طبعا - بلا قيد أو شرط كما خططنا لذلك منذ مدة...
لكن، "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، فقد انتهت الحكاية وما زالت في مهدها، طُويت صفحاتها وأُغلق ملفها نهائيا دون رجعة، وُئد حبنا وقُبر وهو وليد، لتغرق تلك المشاعر والأحاسيس وعبارات الود التي بنيناها حجرة حجرة في أعماق بحر الخيانة والمهانة، وتسقط حواراتنا وسهراتنا في بئر أتون العدم وتمسي ضربا من ضروب الخزي والعار بالنسبة إليها - وأحلى فترات حياتي التي ندمت على التفريط فيها بهذه السهولة ندما كبيرا من دون شك -...
نعم، فقد كنت تلميذا فاشلا في مدرسة الحب سقط في أول امتحان وما زلنا ندرس أبجديات هذه المادة وخطوطها العريضة ومكوناتها وغيرها، مبتدئا في الرومانسية وأميا في الوفاء والإخلاص والصدق وسنوها من أسلحة الحب القويم، غريزيا، شهوانيا، بل وصلتُ إلى درجة الحيوانية جراء نرجسيتي التي قضت عليً وعلى هذه الحبكة التي لم أحسن التعامل معها ومع شخصياتها وزمانها ومكانها وكل أحداثها وتقلباتها وتحولاتها وغيرها ...
إذ تلقيت "مطلب صداقة" جديد على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي من "أنثى" لا أعرفها وضعت على حسابها صورة لفتاة جميلة جدا وجذابة، أنيقة، فخمة المظهر والمنظر (وهو حساب جديد التكوين) ....، مما جعلني أبحث عن الأصدقاء المشتركين بيننا - ولا سيما المقربين مني -، فلم أجد أحدا والحمد لله، ثم ألقيت نظرة على منشوراتها وصورها - التي كانت مغلقة للأسف - قبل أن أقبلها وتصبح صديقتي الافتراضية الجديدة شأنها شأن مئات الصديقات الأخريات.
ورويدا رويدا، توطدت العلاقة بيننا ونمت نموا سريعا - مقابل بطء علاقتي بحبيبتي الأصلية وتراجعها تراجعا مذهلا لم تفهمه هي حينها أو تظاهرت بذلك - وبتنا نتبادل المشاعر والأحاسيس عبر الإرساليات القصيرة على موقع الميسنجر إلى مطلع الفجر، بل إننا أمسينا لا نفترق إلا وقت النوم - الذي بات غير معلوم أو منظم مثل سائر البشر-، نمزح ونمرح، أداعبها وتداعبني، نتجاوز كل الحدود و الأخلاق أحيانا فأطلب منها طلبات غريبة ومتقززة بين الفينة والأخرى كانت ترفضها حتما وتغضب مني...، إلى أن اتفقنا على اللقاء وحددنا الزمان والمكان والغاية من ذلك - ولم تكن شريفة للأمانة - وثمًنّا ذلك وحددنا السعر وغيره....
وحل الموعد المنتظر، فجهزت نفسي تجهيزا دقيقا وكبيرا - حتى خلتني عريسا في يوم زفافه -، ذهبت إلى الشقة التي استأجرتها لهذا الحدث ونظفتها ورتبتها وحضرت ما يجب احضاره، اشتريت باقة من الورود وعلبة من الشكولاطة، ثم ذهبت إلى المقهى الفخم الذي لا يبعد عن الشقة كثيرا للقائها هناك في مرحلة أولى كما رسمنا لذلك.
جلست في زاوية بعيدة عن أنظار الناس في انتظار "فريستي" وقلبي يخفق بسرعة شديدة شوقا ورغبة وطوقا في إشباع غرائزي الحيوانية، وكانت حبيبتي تحاول الاتصال بي هاتفيا مرارا وتكرارا - وما زالت تحاول ارجاعي إلى صوابي واسترجاع عقلي وإنسانيتي المسلوبة والمنهوبة فجأة - وأنا أتجاهلها عدة مرات قبل أن أجيبها بكل جدية وعصبية مفرطة وعدم استعداد للتواصل معها وقتها:
- أنا في السوق حاليا أقتني مستلزمات العائلة
- (وهي تتظاهر بتصديق مزاعمي) أريد أن أتحدث إليك اليوم يا مهيب، فقد فترت علاقتنا وبردت وتقهقرت تقهقرا كبيرا
- (مقاطعا بشدة وأنا أسمّر النظر في كل فتاة تقترب من طاولتي أقبلها من أعلى إلى أسفل عساها تكون صديقتي التي انتظرها) لا يمكنني فعل ذلك اليوم يا نجوى، فأنا منشغل كثيرا مع عائلتي و وعدت أمي بمساعدتها على ترتيب البيت وتنظيفه.....
وما زلنا كذلك نتجاذب أطراف الحديث وأنا أحاول قطعه وإنهائه بكل ثمن قبل مجيء "خليلتي"، حتى رأيت نجوى تتجه نحوي بسرعة والغضب يعلو محياها، ساخطة ومزمجرة، صائحة وباكية وهي تردد "في السوق تقتني مستلزمات العائلة؟ ؟ ؟.... (مشيرة إلى الجميع حتى ينصتوا لما يدور بيننا)، أنت منشغل كثيرا وستعين أمك على ترتيب البيت وتنظيفه؟ ؟ ؟ .... (باكية)، إنه ينتظر" سعاد"، سعاد التي يريد أن يخونني معها بعد أن تواعدنا على الزواج وتكوين أسرة، سعاد التي استأجر لها شقة اليوم ليقضي معها فيها ليلة حمراء بمقابل وهو دائم الشكوى من فقره وقلة حيلته ومحدودية مداخيله الشهرية ..... "
ثم واصلت العربدة وعرض شريط علاقتنا من البداية إلى هذه اللحظة بعد أن اعترفت بأنها" سعاد" وأنها أرادت امتحاني وامتحان حبي لها وجدية علاقتنا ومستقبلنا الذي بقي جامدا و" محنطا" منذ ولوج سعاد لبنيانه الهش، لكنني - حسبها - فشلت في هذا الامتحان ووضعت نقطة النهاية لحكاية في البداية كان بإمكانها أن تكون أحسن مما آلت إليه جراء تجردي من كل القيم الإنسانية والمبادئ البشرية وأبجديات العلاقات الاجتماعية وقوانين الدين الحنيف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق